ابن عياف يختزل خبرته في “الإدارة المحلية والقطاع البلدي”

تعتبر إدارة المدن وخاصة مايتعلّق بالشأن البلدي على وجه الخصوص أحد أهم الاهتمامات العلمية والعملية، فقد قضى مؤلف كتاب «الإدارة المحلية والقطاع البلدي – التحديات والفرص الضائعة» عبدالعزيز بن محمد بن عياّف، ثلاثين عاماً دارساً ومهتماً وممارساً في شأن التخطيط العمراني وإدارة المدن، منها أكثر من خمسة عشر عاماً منشغلاً في أكثرها بالنظرية دراسة وتدريساً مابين جامعة الملك سعود طالباً ثم معيداً، فمبتعثاً إلى جامعة بنسلفانيا في فيلادلفيا بأميركا للدراسات العليا. وفي هذا السياق يؤكد بن عيّاف، أتيحت لي الفرصة أن أقضي خمسة عشر عاماً أخرى في التطبيق والعمل الميداني أميناً لمدينة الرياض ثم لمنطقة الرياض، ولقد منحتني هذه الفرصة العمل تحت مظلة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض آنذاك والعمل معه عن قرب لمدة لاتزيد على خمسة عشر عاماً تحت إمرته وتوجيهاته، كانت بالنسبة لي فرصة تاريخية، كيف لا؟ وهو -حفظه الله- كان ولأكثر من خمسين عاماً ذلك الحاضر المتألق، والفاعل الإيجابي في جميع قضايا الوطن، وهو القريب الخبير في كل مايدور في أروقة الحكم والإدارة والمستشار الأمين لولاة الأمر وكان العمل تحت توجيهه -حفظه الله- أشبه بالتعلّم والتدريب المستمر المصحوب بالتحفيز للتفكير الثاقب والعمل الدؤوب والحرص على تميّز الإنجاز. ويسلط الكتاب على صنّاع الصورة الذهنية وتعزيزها في القطاع البلدي، وتعزيز اللامركزية والتأسيس لنهج الإدارة المحلية، وإعادة هيكلة التوزيع الجغرافي والمكاني للخدمات البلدية. وتناول الكتاب محور قضايا واستخدامات الأراضي وتنظيمها، وهو محور بالغ الأهمية ظل متروكاً فيما تسير المخططات العمرانية بغير رؤية، فكان الاقتناع بضرورة الدخول لهذه المنطقة العسرة وإحداث تعديلات جوهرية في فلسفتها ومايتبعها من أنظمة واشتراطات البناء، وما يتعلق ببرنامج منح الأراضي وأسلوب توزيعها وخدمتها. وتناول المؤلف، أنه على الرغم من كل التحديات، فقد استطاعت الرياض ولو نسبياً، ولزمن طويل مواكبة الزيادة السكانية والتمدد العمراني والارتفاع المذهل في الطلب على الخدمات التحتية والفوقية بتنميتها، حيث توجهت الرياض إلى محاولات لتطبيق اللامركزية في كثير من الأجهزة الإدارية عبر تقديمها للخدمات العامة للمواطنين ولكن بمراحل مختلفة، فبينما نجد بعض الإدارات كانت السباقة في تطبيق اللامركزية ومرّت بالتجربة لفترة زمنية طويلة نسبياً، نجد بعضها الآخر قد بدأ التطبيق متأخراً، وتعثّرت جهود بعض منها نحو التطبيق الفعلي ووضع الخطط اللازمة لذلك. وتطرّق بن عيّاف في كتابه، يجب أن ندرك أن الرياض أصبحت مجموعة مدن في مدينة، ورغبة بالاتجاه بالبلديات الفرعية لتكوين نويات لمدن صغيرة ومستقلة داخل مدينة الرياض، تتمتع باستقلالية مالية وإدارية، وفي الوقت نفسه لتعزيز التنسيق بين مختلف الجهات الخدمية داخل هذه المدن الصغيرة، فقد تم تأسيس برنامج لمباني المراكز الإدارية الموحدة تم فيه تجميع الإدارات الخدمية. وتضمن الكتاب، خطة ودراسة تفصيلية أعدّتها الأمانة وذلك لخطوة جريئة غير مسبوقة في مدن المملكة لإعادة تقسيم العقود بهدف منع الاحتكار والحد من المخاطرة بنظافة المدينة مع مقاول رئيسي واحد، وكذلك تشجيع المقاولين السعوديين من أصحاب الشركات الصغيرة للخوض في التجربة وتطوير وتنمية شركاتهم وخبراتهم في هذا المجال، وكذلك فتح المجال للمنافسة بين الشركات الوطنية بما يفيد المدن. ويضيف بن عياف، سعينا في الأمانة إلى تبني جملة من الترتيبات التي كان من شأنها تعزيز الإيرادات البلدية، سواء بصورة مباشرة، بهيئة متحصّلات عن خدمات ورسوم تصب في صالح المواطن وتستجيب لحاجاته، أو بصورة غير مباشرة، عبر إشراك أطراف ذات مصلحة في تحمّل أعباء التنفيذ والتمويل لقاء الاستفادة المشتركة. وتناول الكتاب، حرص الأمانة على استمرار تطوير وتحديث الخدمات ورفع كفاءة الأداء وتطوير الإجراءات لتقديم مستويات أفضل لخدمة المواطنين، ووضعت من ضمن مقدمة أولويّاتها آنذاك ضرورة مراجعة أنظمة البناء وتطويرها باستمرار، وكان من ضمن ذلك، الاتجاه لتقليل وكبح جماح الانتشار الأفقي للمناطق التجارية داخل الأحياء السكنية وزيادة الكثافة السكانية في بعض المناطق ذات الطاقات الاستيعابية للخدمات والمرافق العامة. وفي هذا الكتاب، تأسيس صندوق للمدينة يساهم في تمويل مشروعاتها وبرامجها ظل هاجساً مستمراً لدي أطمح أن أراه في جميع مدن المملكة، وكنت أرى فيه بداية لانطلاق الاستقلالية المالية للمدينة التي سيتبعها طوعاً الاستقلالية الإدارية، وكنت أدرك أن الاستقلالية المالية عن تمويل الحكومة المركزية لا يمكن أن تأتي بين عشية وضحاها، ولن يستطيع صندوق للمدينة أو عشرات الصناديق مسايرة أو التعويض عن دعم الحكومة السخي لتنمية مدن المملكة كافة، ولكني رأيت فيه خطوة أوّليّة ضرورية ليس للتأسيس والدفع بالبلديات للاستغناء عن التمويل الحكومي المركزي وحسب، بل ولإعادة برمجة فكر وآليات وأدوات العمل البلدي بالعموم.
Scroll to Top