انسنة المدن كما يراها العياف

تناولت في المقال السابق كتاب (الرياض أنموذجا) تأليف الأمير دعبدالعزيز بن عياف ويعد من الكتب المهمة والنادرة التي توثق المرحلة وتشرح الافكار التي تبناها مسؤول سابق في إدارة العمل البلدي, فقد اجاب على أسئلة كانت تبحث عن تفسيرات، أسئلة تتمحور حول الربط ما بين الإنسان وبين المشروعات التي تقام له. يعد الكتاب من المؤلفات الأولى التي تترجم الرأي الفلسفي والنظريات الأكاديمية وتحولها إلى مشروعات تطبيقية نرها ماثلة وشاخصة في مدينة الرياض، تطبيقات الأنسنة جاءت بعد مرحلة الدورة الاقتصادية الأولى في منتصف السبعينات وحتى منتصف الثمانيات (1975-1985) مرحلة الطفرة التنموية الأولى بناء المدن والاحياء الجديدة، أعقبها فترة ركود لمدة حوالي (10) سنوات ثم بدأ تنفيذ الأنسنة بتولي الأمير عبدالعزيز بن عياف منصب أمين منطقة الرياض عام 1997م. العوامل التي ساعدت على نجاح الأنسنة ونقلها من نظرية أكاديمية إلى تطبيق ميداني يشاهد في أحياء مدينة الرياض: أولا: أن مؤلف الكتاب كان أمينا لمنطقة الرياض، العاصمة السياسية والاقتصادية، وتحظى بأكبر الميزانيات في القطاع البلدي وفي الخدمات ومشروعات الوزارات. ثانيا: عمل المؤلف أمينا لمنطقة الرياض من 1418هـ حتى 1433هـ، وهذا يعني أنه عمل في أخصب مرحلة في سجلنا الحضاري، مرحلة الدورة الاقتصادية أو الطفرة الاقتصادية والتنموية الثانية (1423هـ -1435هـ). ثالثا: أن المؤلف جاء للعمل البلدي من البحوث والقاعات الأكاديمية، بكالوريوس هندسة معمارية، ماجستير عمارة، دكتوراه تخطيط المدن والأقاليم، رئيس قسم التخطيط بكلية العمارة والتخطيط بجامعة الملك سعود، وبالتالي نقل النظريات التي يؤمن بها في مجال تخصصه وجعلها تطبيقا في العمل البلدي. رابعا: أن المؤلف تناول أكثر الموضوعات تعقيدا هي علاقة المدينة بالإنسان، الجانب المفقود الذي عادة لا يفطن له: وزير البلديات، أمين المنطقة والمدينة، رئيس المجلس البلدي، رئيس مجلس التنمية، أمين عام الهيئة العليا للتطوير، رئيس البلدية، كذلك هي من المصادفات التي تجتمع في الرئيس البلدي ( التفوق في الإدارة التنفيذية وجماليات الحس الإنساني المتدفق) مزج الإدارة في عذوبة المشاعر الإنسانية التي يمكن أختصرها بأنسنة المدن وبصورة أشمل تحقيق حاجات الناس داخل مدنهم. دون أدنى شك أن المؤلف عاش صراعا طويلا للتوفيق ما بين بناء مدينة الرياض وتحقيق إنسانية الرياض، والسؤال بعد رحيل بن عياف عن إدارة الرياض: هل تحققت للمدينة الأنسنة، واستمرت في عطائها أم توقفت؟. ليست هي محاكمة لمرحلة سابقة ولا شهادة براءة لكن لابد من ذكر الحقائق ومنها أن عبد العزيز بن عياف وهو الآن خارج دائرة أمانة الرياض أنه رسخ مفهوم انسانية المدن عبر المشروعات التي طرحها ونفذها في كل مربع وكل ركن وزاوية وناحية من الرياض: الساحات المفتوحة والمساحات المزروعة، الحدائق، الملاعب،أرصفة المشي، انتشار الأشجار في الشوارع، إعطاء الناس ممن يسيرون على الأقدام حقهم في السير، أي أنه فرض حقوق السير على الأقدام باعتبارها مثل حقوق السيارة، وأعطى سكان الأحياء بلا تمييز حقهم في الاستمتاع بمدينتهم.
Scroll to Top