انسنة الرياض مدينة السته ملايين بحاجة للكثير من مساحات الترفية و النواحي الجمالية

يجب ألا تنسينا مشروعات البناء والطرق والجسور الاحتياجات الإنسانية والترويحية للسكان

«أنسنة الرياض».. مدينة الستة ملايين بحاجة للكثير من مساحات الترفيه والنواحي الجمالية

  تشهد الرياض توسعاً عمرانياً وسكانياً هائلاً من حيث الكم والمساحة، وفي خضم سباقنا مع الزمن في مدينة بحجم العاصمة التي فاق نموها السريع كل التوقعات خلال السنوات الماضية، شكّل التوسع الهائل للسكان عبئاً كبيراً على الأجهزة التنفيذية، سواء فيما يتعلق بالخدمات أو البنى التحتية، الأمر الذي يتطلب مراعاة الجوانب الإنسانية والترفيهية والترويحية في المدينة وعدم إغفالها، ومن ذلك زيادة المشروعات الطبيعية من أرصفة للمشاة وإضفاء الطابع الجمالي والترويحي فيها، لاسيما في ظل المشروعات الكبرى التي تشهدها حالياً، وكذلك تمركز أغلب الدوائر الحكومية فيها، وهو ما جعل العاصمة “مركز عمل” رسميا يحتاج للكثير من الجوانب الإنسانية والجمالية التي تتطلبها الحياة في أي مدينة. العاصمة بحاجة للمزيد من الحدائق وممرات المشاة والتشجير وبث الروح في ميادينها   مشروع “أنسنة الرياض” الذي تشهده العاصمة حظي بإشادة من كثير من بلديات ومنظمات المدن والعواصم العربية والإسلامية، إذ ساهم في خلق بيئة مناسبة لممارسة رياضة المشي من خلال تأسيس مضامير حول المباني العامة والحدائق، تتوفر فيها الإضاءة والتشجير والأرصفة والجلسات لمرتاديها إضافةً إلى توسعة أرصفة المشاة في الشوارع التجارية لهذا الغرض. متابعة دؤوبة ويؤكد صاحب السمو الأمير الدكتور عبدالعزيز بن محمد بن عياف – أمين مدينة الرياض سابقاً – على الدور الكبير لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله -، عندما كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من نصف قرن، في الدفع باتجاه برامج “الأنسنة” ومشروعاتها، حيث يشير سموه الى أنها لم يكن لها أن ترى النور إلاّ بفضل من الله ثم بدعم ومؤازرة خادم الحرمين إذ قيّض للرياض رجلاً حملها في قلبه حتى صارت مدينة يتباهى الجميع بها.
تحديات كثيرة وأوضح ابن عياف أن الازدياد المضطرد لسكان المدينة والمترافق مع أسلوب النمط المعيشي والسكاني الاستهلاكي وانعكاس ذلك على التوسع العمراني الهائل، مع الأخذ بالاعتبار ما تواجهه إدارة المدينة من تحديات بيئية وإدارية ومالية وفنية وجدت البلديات نفسها في مأزق تقديم الخدمات بدون تركيز على مثالية تقديمها بمستواها الأمثل، وكان ذلك هو التبرير الذي ركنت إليه ليتماشى مع قلة المخصص لها من موارد بشرية ومالية صاحبها تواضع وندرة في الكفاءات، الأمر الذي أضاع – في كثير من الأحيان – البعد الإنساني للمشروعات البلدية وأرغم البلديات على الدخول في دوامة إنجاز مشروعات تكون أحياناً غير مكتملة، مضيفاً أن هناك مبادرات كثيرة للأمانة تحتاج إلى تعميمها في مواقع أخرى ومبادرات في مراحلها الأولى وتحتاج إلى استمرارية الدعم، ومنها مايزال أفكاراً على الورق لم تنفذ بعد وأكثر منها في مذكرات بعض أفراد فرق الأمانة، ذاكراً أنه أصبحت الأمانة – بحمد الله – بمن فيها من المسؤولين رجالاً ونساءً ولاّدة للأفكار والمبادرات التطويرية الجديدة. عمل وجهد بدوره قال د. عبدالعزيز بن سعد المقرن – عميد كلية العمارة والتخطيط في جامعة الملك سعود سابقاً -: إن ساكني مدينة الرياض بحاجة ماسة للكثير من أماكن الترفيه والتوسع في ربط أحيائها بممرات المشاة لمزاولة المشي، وزيادة الساحات البلدية، مضيفاً أن مدينة الرياض تستحق الكثير من العمل والجهد، فهي عاصمة المملكة، ويسكن ويعمل بها ويزورها كثير من جنسيات العالم، مبيناً أن الكل يعرف مكانة المملكة وتأثيرها الكبير والواضح اقتصادياً وسياسياً على المستويين الإقليمي والعالمي، ومن هذا المنطلق، فإنها بلاشك تستحق بذل كل ما بوسعنا من علم وجهد لتلبية الاحتياجات اللازمة لتسهيل حركة المواطنين والمقيمين، وفي الوقت نفسه ترفيههم في أوقات فراغهم، مؤكداً أن إبداع الإنسان في العمل يحتاج إلى مهر غال، وهذا المهر هو زيادة الترفيه للإنسان والاستمتاع بالمكان الذي يعيش فيه، لذا فمهما قمنا به من عمل وتخطيط وإنجازات فالرياض تستوعب وتستحق المزيد، مشيراً إلى أنه في وقت مضى كنّا نحلم أثناء أوقات الفراغ من العمل بوجود أماكن للتسلية وقضاء وقت ممتع مع الأسرة أو الأصدقاء خارج المنزل، في الأسواق أو الشوارع، أو الساحات، في مطاعم أو مقاه، وفي وسط الرياض كما هو موجود في عواصم مدن العالم الأوروبية أو حتى العربية، وكان ذلك مجرد حلم، ومرت السنين والأيام ونحن نحلم بذلك، والحمد لله، في العقدين الماضيين، أصبح جزء من ذلك الحلم حقيقة، بل وبدأنا نرى تحوّلا حقيقيا في إرادة مدينة الرياض وإدارتها، ونقلها من مجرد توفير شبكة معقدة من الطرق والساحات لخدمة الآليات إلى شبكة منظمة من الطرق والممرات والساحات لخدمة الإنسان والاهتمام به. شارع التحلية وأوضح د. المقرن أنه على سبيل المثال، بدأنا نرى ذلك التحول الجذري في الفكر والتخطيط والتنفيذ في تطوير “شارع التحلية”، وعايشنا رغبة قوية لأنسنة الشارع وتحويله لخدمة الإنسان بدلاً من شارع ميت لا حركة فيه ولا روح، مضيفاً: “كلنا نتذكر ماذا كان ذلك الشارع وكيف كان، وكيف تحول وأصبح من أهم الشوارع وأشهرها، مبيناً أنه بحكم تخصصه ولقاءاته مع زملاء في مؤتمرات معمارية وعمرانية عالمية كانوا يتبادلون الحديث عن قصة النجاح المميزة لشارع التحلية، ذاكراً أنه مع نجاح التجربة انتقل هذا العمل إلى الكثير من شوارع الرياض خاصةً تلك المنطقة نفسها، لافتاً إلى أنه لم يقتصر التطوير على توفير ممرات المشاة العريضة ورصفها وتشجيرها وتسهيل خدمات المطاعم والمقاهي والأسواق فيها، بل أخذ بُعداً آخر وهو تحويل الشارع والمنطقة بشكل متكامل إلى حي ذكي، وهذا بحد ذاته نقلة نوعية نتمنى استمرارها وتكرارها.
تطوير نوعي وأشار إلى أننا شاهدنا تطويرا نوعيا في تخطيط الكثير من الشوارع الكبيرة وتحويل أرصفتها إلى ممرات مشاة فسيحة وتجميلها بالأشجار والخدمات التكميلية لتشجيع الناس مزاولة رياضة المشي، إضافةً إلى تطوير أسلوب تخطيط الأحياء السكنية، بتوفير حدائق كبيرة، ومنطقة كبيرة لمحلات تجارية مجتمعة، كما هو في حي التلال، وساحات مجهزة لتجمع الشباب ومزاولة لعبة كرة القدم بدلاً من ممارستها في السابق على الشوارع أو الأراضي البيضاء، ذاكراً أن هذا العمل الذي تم إنجازه، يستحق التقدير إلاّ أنه في الحقيقة لا يشكل إلا جزءا يسيرا من احتياجات مدينة بحجم الرياض، إذ مازالت الرياض تحتاج إلى أعمال كبيرة موازية لمثل هذا العمل، وأن يكون في جميع المناطق من شمالها إلى جنوبها. بُعد إنساني من جهته قال د. عبدالله الفايز – مستشار في العمارة والتخطيط -: إن مشروع “أنسنة” المدينة كان مفقودا في تاريخ مدننا، حيث كان الاهتمام في السابق في بالبناء والمركبات والمدن الخرسانية والطرق والجسور والانفاق والنظافة، وهي أساس مهم، لكنها لا تكتمل وتتحقق فائدتها بدون تواجد البُعد الإنساني والأنسنة ومشاركة المرأة في التلاحم الاجتماعي وربط نسيج المدينة مع سكانها، مما يخلق التنمية الحضرية والاقتصادية المستديمة، وهي مبادرة كانت مثالاً احتذي به في بقية مدن المملكة. ولفت د. الفايز في حديثه إلى غياب دور الجهات الأخرى التي كان يجب أن تدلي بدلوها في الأنسنة التي تربط العلاقة بين الانسان والبيئة، مثل دور المرور في سن أنظمة وحقوق المشاة وأحقيتهم بأولوية العبور، ووضع إشارات الوقوف للمشاة وخاصة في الأحياء السكنية، والتي مازالت مهمشة ومتروكة للمركبات وسيارت الطائشين، ودور وزارة الإعلام والجامعات والهيئة العليا للسياحة لبرامج التوعية في الساحات البلدية وفي مهرجانات واحتفالات المدينة، والتي أصبحت متنفسا لشبابنا تحميهم من الضياع والتسكع والفكر الضال. مبادرة جريئة وأكد د. فرحات طاشكندي أننا كنا ننتظر مبادرة جريئة كمنتمين لممارسي التخطيط الحضري في إعطاء الإنسان حقه من هيمنة السيارة في تخطيط مدننا، خاصةً حق المشاة بعد أن تفاقمت علينا مشاكل تغير نمط المعيشة في مدننا من السمنة وارتفاع الضغط والسكر وارتفاع الكولسترول والدهون الثلاثية وغيرها من الأمراض التي ظهرت في العصر الحديث، موضحا ان المشروع استقطع ميزانيته من صندوق الأمانة ثم تحول الى برنامج له ميزانية رسمية، ومن ثم تعميم التجربة في جميع مدن المملكة بقرار من وزير الشؤون البلدية، مبيناً أنه تم تحويل مدينة الرياض إلى مدينة إنسانية أشادت بها جميع بلديات منظمات المدن والعواصم العربية والإسلامية فأصبح في مدينة الرياض بيئة مناسبة للمشي بعمل مضامير حول المباني العامة حتى يعطي الاستمرارية للمشاة، مع وضع الإضاءة والتشجير والأرصفة والجلسات لمرتادي هذه المضامير، والآخر بتوسعة أرصفة المشاة في الشوارع التجارية لتنشيط التسوق والسياحة، فبعد أن كانت السيارات تقطع استمرارية المشاة واحتلال الأرصفة وغالباً ما تكون مقدمة السيارة ملاصقة لواجهات المحلات والمعارض التجارية، أصبح الآن هناك أرصفة جميلة وواسعة مضاءة ليلاً ومشجرة وبها جلسات تشجع على التسوق والسياحة في الشوارع التجارية، وإبعاد السيارات بمسافة كافية لإتاحة الفرصة للمشاة للانتقال بأمان وسلامة من متجر إلى آخر، وكذلك انتشار المقاهي في المناطق المتسعة من الأرصفة وعمل جلسات ممتعة لزوار المدينة ومتسوقيها. شبكة مشاة وأوضح د. طاشكندي أنه تم منح مدينة الرياض (37 كلم) من شبكة المشاة متصلة بعضها ببعض، يُمكّن السكان من ممارسة المشي أو ركوب الدراجات وقضاء أوقات ممتعة والتريض لتغيير نمط المعيشة التي أدت إلى كثير من أمراض العصر، وكذلك وضع برنامج بأن يكون في كل حي شارع مشاة لممارسة رياضة المشي للنساء وكبار السن ومن الذين يعانون من أمراض تغير نمط المعيشة، إضافةً إلى وضع برنامج للساحات البلدية ليجد شباب الأحياء أماكن متسعة لمزاولة الألعاب الرياضية وتكون ملاذاً للعوائل في نهاية الأسبوع للتنزه وقضاء بعض الأوقات الممتعة مع الجيران والأطفال، أو التريض في المضامير المخصصة للمشاة داخل الساحات، مضيفاً أنه أخذت الحدائق الاهتمام الكبير من لدن امين الرياض السابق الامير ابن عياف وتحولت الحدائق من حدائق أسيرة محاطة بشبوك من الحديد إلى حدائق مفتوحة يصل إليها المستخدم من جميع الجهات، بل وتزينت بتصاميم جميلة تميز كل حديقة عن الأخرى، وعند زيارتك لها لا تجد لك مكاناً من كثرة الزوار بعد أن كانت شبه مقفرة، مبيناً أن الإنسان أصبح له نصيب في اهتمام المخططين في المدينة، وأصبحت شوارعنا يتقاسمها المشاة مع السيارات، مؤكدا ان برنامج الأنسنة في مدننا أصبحنا نعيشه بعد أن كان حلماً، مُشدداً على أن الرياض ما زالت بحاجة للكثير من المشروعات الإنسانية التي تخدم المواطن وتسعى لراحته نظراً لاتساع رقعتها وازدياد سكانها يوماً بعد يوم، ولنا أمل كبير فيمن يُطوّر ويُجدد ويرسم خطوطاً واضحة في مجال أنسنة المدينة مستقبلاً.
التخطيط الحضري يعزز الجوانب البيئية والجمالية في المدينة
عن تجربة أمانة منطقة الرياض في هذا الجانب أوضح الأمير الدكتور عبدالعزيز بن عياف أنها تجربة ثرية يمكن للمعنيين بالتنمية الحضرية الإفادة منها في إحداث نقلة نوعية في حياة سكان المدن عبر تطبيق نظم ومناهج عمل تتمركز حول الانسان وترسخ علاقة جديدة بين البلدية وساكن المدينة، وتبين كيف استطاعت أمانة منطقة الرياض توفير خدمات بلدية تلبي الاحتياجات المتنوعة لسكان العاصمة ودورها في العناية بالامتدادات الجديدة للمدينة، والارتقاء بمستوى الخدمات في أحيائها. آثار إيجابية وغير مكلفة وقال: إنه من الملفت للنظر أن كثيراً من برامج الأنسنة التي تفاعل معها سكان المدينة بإيجابية لم تكن بالمكلفة مادياً ولم تحتج إلى طاقات بشرية كبيرة ومع ذلك تركت آثاراً إيجابية في حياة السكان مع امتنان يفوق بكثير تكلفتها. وأضاف أن تجربة أمانة منطقة الرياض في برامج ومشروعات الأنسنة رحلة شاقة لكنها كانت رحلة سعيدة له ولكثير من الشركاء العاملين داخل الأمانة وخارجها والرحلة طويلة ومستمرة والعمل لم ينته، وعلى الرغم من الإنجازات فالمتبقي كثير وتجربتهم أثبتت أنه بالإمكان الاستمرار في هذا الجانب دون توقف، مُشدداً على ضرورة تفعيل الاستقلالية المالية والإدارية للبلديات، وبما يسمح لها بإدارة مواردها وتشجيعها على زيادة استثماراتها بما يضمن عدم المساس بالمواطن والقنوات لذلك كثيرة. وأشار إلى أن المجالس البلدية تحتاج وقفة صادقة من القطاع البلدي لدعمها وتمكينها من ممارسة المشاركة الحقيقية في القرار البلدي، فهي وبعكس ما ينظر لها بعض العاملين في القطاع البلدي دعامة أساسية للعمل البلدي، وثروة متميزة ومصدر قوة نوعيّة للعاملين في القطاع البلدي لا يمتلكها غيرهم من العاملين في القطاعات الخدمية الأخرى. أكد د. عبدالله الفايز على أن الأنسنة هي أساس المدن الخضراء والذكية والبُعد الإنساني في التخطيط العمراني، وتعنى بتوفير البيئة العمرانية المناسبة لحجم وشخصية الإنسان واحتياجاته في البيئة والظروف المناخية المحيطة به، سواء في المنزل أو في الفراغات العامة، وبتوفير الراحة والسلامة والأمان والهدوء والطمأنينة لتحقيق الرقي الحضاري في ظل وجود الخدمات الأساسية للحياة الحضرية. الإنسان نواة المدينة وقال: إن النظريات التخطيطية والتراث الإسلامي تنظر إلى الإنسان كنواة للمدينة التي هي نسيج من الأحياء التي تربطها مجموعة متدرجة من الطرق وترقد تحتها البنية التحتية من خدمات المياه والكهرباء والصرف والهاتف لتكون الرابط الأساسي، ومشابهة لشريان الحياة للإنسان. وأضاف أنه يبقى الإنسان المتحضر هو الخادم والمخدوم وكلما حافظ على حيزه أو بعده الإنساني في المدينة، عاشت أكثر لينعم بها وهو هدف لا يتحقق إلاّ بتضافر جهود المواطن والمسؤول والدولة كل بأداء واجباته وهو طريق ذو اتجاهين. وأشار إلى أن البلديات تقوم بفرض أنظمة البناء وتحديد الارتدادات لتضمن إيجاد الفراغات الإنسانية العمرانية للصحة والتهوية، ثم تقوم بتنفيذ الأرصفة والسفلتة والتشجير والصيانة والحدائق وممرات المشاة، بينما تكون مسؤولية المواطن في تقديرها والمحافظة عليها والمساهمة في تسديد النقص بقدر المستطاع،
Scroll to Top